التفاعلات السياسية والأحداث التي رافقت إحياء الذكرى الثانية لبدء الثورة المصرية تؤكد أن الانتخابات في حد ذاتها ليست كفيلة بالانتقال للديمقراطية. فمصر في السنين الأربعين الماضية، لم تخل من انتخابات أو معارضة كهذه، حيث كان لها تمثيل كبير في مجلس الشعب. تراوحت أعدادها، ما بين 70 مقعداً في انتخابات 1987، وما يقارب 120 مقعداً في انتخابات 2005، منها 88 مقعداً للإخوان المسلمين. كما أن الانتخابات الرئاسية لم تخل من التنافس، قبل سنوات من الثورة، عندما تم تغيير بعض مواد الدستور، لجعل الترشح لرئاسة الجمهورية بين أكثر من مرشح. فكانت هناك انتخابات رئاسية تنافسية، ما بين مرشح الحزب الوطني الحاكم في ذلك الوقت، الرئيس السابق مبارك، وبين مرشحين مستقلين آخرين.
ولأن النية لم تكن خالصة داخل لجنة السياسات في الحزب الحاكم، فقد كانت هناك قوة موازية تسعى إلى عملية توريث السلطة بتغيير الدستور لتخلق مناخاً يجعل عملية الترشح محصورة في شخص واحد، مع تهيئة الشريحة السياسية والإعلامية لاستقباله، على طريقة ”الديمقراطية“ الشكلية. وهذا السيناريو، الذي يمكن أن نطلق عليه اسم سيناريو الاستغفال أو الاستغباء للمجتمع، هو الذي وضع أول مسمار في سقوط نظام الحكم السابق، بنمو وتزايد الحركات الاحتجاجية. وعلى رأس هذه الحركات كان ظهور حركة كفاية الرافضة للأب والأبن. فكانت السنوات الست السابقة للثورة كفيلة بأن تخرج المارد من القمم، بعد أن ضاقت ذرعاً النخبة والقوى السياسية الجديدة، والممثلة في جيل الشباب، بعملية الاستغباء هذه التي أراد بها النظام الحاكم توريث السلطة. تضاعفت الاحتجاجات وكثرت الحركات المعارضة وولدت الشجاعة داخل الفئات المظلومة لتثور وترفع شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
بعد مرور عامين من بدء الثورة، وإجراء أربعة انتخابات، منها إثنتان برلمانيتان إضافة إلى استفتاء على الدستور وانتخابات رئاسية بجولتيها. وهنا نطرح السؤال، هل زالت، بالفعل، العوامل والأسباب التي قامت الثورة من أجلها؟
إذا نظرنا إلى المؤشرات الموجودة في المجتمع فإن الإجابة على السؤال المطروح أعلاه تأتي بالنفي وللأسباب التالية:
أولاً: عدم توفر قاعدة تكافؤ الفرص والعدالة في القوانين المنظمة للانتخابات. فإذا استند الإخوان المسلمون في شرعيتهم على أنهم هم الأكثرية التي تمثل الشعب بعد أن حصلوا على الأغلبية في المجالس التشريعية، كما كان يفعل الحزب الوطني السابق، فإن المحكمة الدستورية أصدرت حكمين تاريخيين. الأول يبطل انتخابات مجلس الشعب والثاني يلغي قرار الرئيس المنتخب بعودة البرلمان. ورأت المحكمة أن الطريقة والقانون التي أجريت فيها الانتخابات فيها عدم تكافؤ فرص للمرشحين، والتي صبت بدورها في صالح التيار الإسلامي، حيث سمح لأصحاب الإنتماء الحزبي الواحد بالترشح على القائمة الحزبية والقائمة الفردية في نفس الوقت. وهذا السيناريو يعيد إلى الأذهان، ما كان يفعله الحزب الوطني في السابق، عندما كان يحصل على الأقلية في الانتخابات البرلمانية في عامي 2000 و 2005 فيلجأ إلى المستقلين ويضمهم إليه وتصبح له الأغلبية.
ثانياً: إن عدم كتابة الدستور عقب الثورة مباشرة وضع أكثر من علامة استفهام حول الطريقة التي يمكن أن يخرج بها. تلك التساؤلات تعالت خصوصاً حينما نص الإعلان الدستوري على أن يختار الأعضاء المنتخبين في مجلسي الشعب والشورى أعضاء اللجنة التأسيسية المائة. وبعد تشكيلها قضت أعلى هيئة قضائية في مصر ببطلانها. جاء هذا القرار نتيجة التكوين المخل بأغلبية إسلامية، جاءت وفقاً لقانون لم يحقق قاعدة العدالة وتكافؤ الفرص بين كل المرشحين.
وشكلت اللجنة للمرة الثانية بنفس التكوين الذي يعكس الانتماء داخل البرلمان، فصدر قرار بعدم دستوريتها للمرة الثانية وأعيد تركيبها بنفس الوزن النسبي ولكن بأعضاء من خارج البرلمان، وتم الاستفتاء عليه بسرعة، عقب انتفاضة الطبقة الوسطى في نوفمبر وديسمبر الماضيين، على الرغم من تحفظات القوى السياسية على الكثير من بنوده، التى جاءت بالتفصيل على مقاس الإسلاميين مثلما تم في المادتين 76 و77 من دستور 71 لتكون على مقاس المرشح الوريث .
ثالثاً: الدور الذي تقوم به جماعة الإخوان المسلمين تحت كنف رئيس الدولة الاخواني، يكاد يتطابق مع الدور الذي كانت تقوم به لجنة السياسيات بوجودها وتدخلاتها غير الرسمية في الحياة السياسية المصرية في اختيار الوزراء والنخبة داخل المؤسسات فضلاً عن تدخلات الإبن الوريث في طريقة الحكم في السنوات الأخيرة من حكم أبيه، يضاف إليها أن الجماعة ما زالت لا تخضع حتى الآن لقوانين الدولة وتعتمد في وجودها وتمويلها على فرضية الأمر الواقع. وبالتالي إذاً تساءل الكثيرون حول مدى شروعية لجنة السياسات داخل الحزب الحاكم السابق في أن يكون لها الدور والهيمنة على النخبة والسياسة في مصر في السنوات العشرة السابقة للثورة ؛ فإن هذا التساؤل بات يطرح بنفس الشكل بعد أشهر قليلة من فوز المرشح الإخواني بالرئاسة وظهور الدور الخفي للجماعة ومكتب الإرشاد في الحياة السياسية المصرية بشكل غير شرعي لا يتناسب مع الطريقة الديمقراطية التي انتخب بها الرئيس محمد مرسي.
ومن هنا نلاحظ أن ما حدث في عام 2012 وفي السنة السابقة لها، يشبه تماماً ما حدث في السنوات السابقة للثورة من التحجج والتمسك بالديمقراطية الشكلية، التي تخرج في إطار غير عادل، سواء في طريقة اختيار أعضاء البرلمان أو في عملية كتابة الدستور عن طريق جمعية غير دستورية، وبدلاً من أن تكون هذه المرحلة عملية حقيقية لوضع آليات صحيحة لعملية الانتقال الديمقراطية، وجدنا أنفسنا انتهينا مجتمعياً مثلما كان يحدث في السابق بدلاً من استقبال الوريث إلى استقبال الإخوان بطرق غير قانونية سواءً بتسكين وتمكين نخبتها داخل مؤسسات الدولة، بطرق "الفساد الناعم" أو في عملية صناعة القوانين وكتابة الدستور. ومن هنا فالثورة بهذا الواقع لم تحقق أهدافها، وما زالت تواجه تحدياً، مماثلاً لما كان يحدث في السابق، من تطويع القوانين والدستور لتخدم فصيل ديني على حساب المجتمع ككل.. فقراءة مشهد الأحداث عقب إحياء الذكرى الثانية لبدء الثورة المصرية يزيد من علامات الاستفهام حول جماعة الإخوان المسلمين، التى كان سوف يحسب لها أنها ساهمت في تدشين قواعد الديمقراطية لو تخلت عن هذه الأخطاء والسلبيات القاتلة.